متى تثور يا بحر ؟


ثر يا بحر
          يا بحر متى تثور وتغضب ، وتغرق الخنافس والقرود ، وتطهر شواطئك من دنسها ومن أشلائها المبعثرة على بساطك الذهبي ، متى تثور وتنتفض لتنظف وسخ الأموات التي ينخر الدود عظامها و تحوم الكلاب حولها ، أما شعرت بالجراثيم والطفيليات  تدنس طهرك وتبشع مظهرك .
       أما آن الوقت لتصرخ صرخة مظلوم تخرج منها موجة واحدة تزيل السموم ، وتغسل وجهك وتنظف باطنك من الوسخ، أم خارت قواك وانثنت عزيمتك وتحطمت جيوش أمواجك وفقدت القدرة على المقاومة. آه يا بحر لا أدري ماذا فعلوا لك أخدروك وأسكروك أم صرت تخشى أن ينعتوك بالتخلف ويصفوك بالرجعية ، لقد كنت بالأمس ميدانا لمواجهة الأبطال والشجعان ومرتع للأسود والأشبال فصار شاطئك حانة للخنافس والقرود وبؤرة للصراصير  التي تنتهك عرضك حيثما صالت وجالت ، صدقني يا بحر لم أعد أعرفت فأنت لست الذي حدثني عنك أبي وأمي ، أنت لست الذي فتح محمد الفاتح على ظهرك القسطنطينية ولست من حملت سفن طارق بن زياد وجنوده على أمواجك ، فأنت الآن الذي تنتهك حرمات خالقك وتسيل دماء مخلوقاته وتدفن  أمام عينيك  ولا تثور ولا تغضب ، لقد خدروك و خدعوك بكلمات التمدن والتحضر وقالوا لك أن الغيرة ،الأنفة والحرقة على العرض والشرف كلمات لا توجد في قاموس القرن العشرين وعلموك أن العفة ، الطهارة ، الحياء ، المروءة من صفات البدائيين  المتخلفين وأساطير الأولين وأنها من صفات الرجعيين المتزمتين ...
     يا بحر ثر من جديد ودع موجك ينطلق ليغرق الأخشاب اليابسة ويطوي الأجسام العارية ويطهر شواطئك من العفونة والقذارة .
     هبي يا رياح ودعي البحر يثور ويغضب لعل وعسى تعود إليه هيبته كما كان بالأمس . هبي يا رياح واعصفي برؤوس الشياطين المارد ة .هبي يا رياح وانسفي هذه الأفاعي الزاحفة وانقضي على ضفادع الليل وخفافيش الظلام فإنهم طغوا وأكثروا فيها الفساد .
     يا بحر لما هذا الوجوم المخيف ؟ وهذا السكوت المميت ورمالك تسقى بالخمور ، وشواطئك تموج بالعراة عراة الأجسام والأرواح والشرف  ، فقد نزعوا ثوب الحياء وهتكوا ستار العفة والطهارة وكشفوا العورات وجعلوك معرضا للحومهم  . كل هذا ولا  تزال هادئ لا تغضب ولا تثور .
    فقد ماتت العفة في صدور نسائنا وانتزعت الغيرة والرجولة من قلوب رجالنا وتجردوا جميعا من كل معاني الإنسانية والصفات البشرية والأخلاق الإسلامية. ثر يا بحر وأعد المياه لمجاريها .   

ليست هناك تعليقات :

مدونة عالم ياسر تصميم ياسر بوغابة © 2015