القضية الفلسطينية إلى أين ؟ وإلى متى ؟

القضية الفلسطينية إلى أين ؟ وإلى متى ؟



إلى أين ؟إلى متى ؟

من المتفق عليه أن قضية الشعب الفلسطيني بدأت تتشكل منذ بداية القرن العشرين ، أي قبل مائة عام تقريبا ، وإن وصلت ذروتها مع وقوع النكبة وقيام إسرائيل ... مائة عام من النضال ،قدم فيها الشعب الفلسطيني من التضحيات ما لم يقدمه أي شعب على وجه الأرض ،

ولكن بالقراءة المتأنية لمشوار مائة عام من النضال نستطيع أن نقول بمنتهى الموضوعية ومن غير تهويل أو تهوين ، وبعيدا عن منطق التيئيس والإحباط ، أن هذه التجربة من النضال لم تحقق ما نصبو إليه كشعب فلسطيني ، على العكس فالقضية الفلسطينية مع الأسف في كل يوم ومع كل إشراقة شمس جديدة في سماء هذه الجنة المفقودة ، تزداد تدهورا وتراجعا .
مع إيماننا القاطع بأن القضية لن تضيع ، فإن أخشى ما أخشاه أن تتأخر في وصولها إلى شاطئ الأمان ، الأمر الذي يعني مزيدا من الآلام والدماء والأشلاء ... تدعوني هذه القراءة الموضوعية إلى طرح السؤال الملح ، السؤال الذي يجب أن نجيب عليه بالجرأة والشجاعة المطلوبتين ، لماذا فشلنا على امتداد مائة عام من النضال من أن نضع القضية الفلسطينية على الطريق الصحيح وسط نفق التجاذبات الدولية والإقليمية في اتجاه الضوء ، وإن كان في طرف النفق ؟ لماذا هذا التدهور ؟ لماذا هذا التراجع ؟ لماذا هذا الانحسار؟ لماذا هذا الانكسار المتدحرج على امتداد مفاصل و منعطفات القضية الفلسطينية ؟!!!...
في كل عام نحيي ذكرى النكبة ، ننظم الاجتماعات ونعقد الندوات ، نسمع المحاضرات ، نقرأ المقالات والتحليلات ، ونشاهد الأفلام الوثائقية والمسلسلات حول هذا الموضوع ... نحاول استحضار الأحداث على ما فيها من آلام وأحزان ، نتعامل مع الأحداث بكل العمق العقلي والعاطفي الممكن ولكن الممزوج بدرجة عالية من الرومانسية ... إحساسي أننا نكاد نجمع أن النكبة لم تكن قدرا مقدورا، بل كانت إفرازا لواقع عاشه الشعب الفلسطيني و عاشته الأمة من أقصاها إلى أقصاها ، لا أقول الأمة العربية فقط ، ولكن الأمة العربية و الإسلامية من جاكرتا حتى طنجة ومن فرغانة حتى غانا .عشنا وضعا أفرز ما نسميه ( النكبة ) ، والتي كانت لها أسبابها بالطبع ... أنا لا أستدعي هذا الفصل من تاريخ القضية من أجل إثارة الأحزان واستدرار القرائح بالمطولات من أشعار الرثاء والنحيب ، بل من أجل التعرف على الحقائق واستخلاص العبر مما حصل من ألأحداث التي ما زلنا نعيش نتائجها المأساوية المتدحرجة حتى هذه اللحظة ... أجمع أهل الاختصاص في شؤون القضية الفلسطينية أن ألأسباب التي أدت إلى هذه النكبة كثيرة ، لكن من أهمها :
1 .غياب التعبئة العقائدية والإيمانية الرصينة في المعركة التي أدارها شعبنا وقياداته في                    حينه في مواجهة التحدي الصهيوني الوجودي .
2. غياب القيادة السياسية الواحدة والواعية .
3 . غياب القيادة العسكرية الواحدة والملتزمة.
4 . غياب السند العربي والإسلامي الحقيقي .
5 . غياب الأجهزة الفلسطينية العربية والإسلامية ، القادرة على التأثير في الرأي العام الرسمي و الشعبي المحلي والعالمي .
6 . انحياز الموقف الدولي إلى مشروع الحركة الصهيونية ورعايته له ، وحمايته لوجوده ، والذي ما زال مستمرا ومتعاظما حتى اليوم . لا يختلف اثنان على أن هذه الأسباب كانت الأساسية وراء ( النكبة ) ، ولنا أن نسأل : هل ما زالت هذه الأسباب موجودة على الساحة ، كلها أو بعضها ؟؟!!! الجواب نعم ... كلها وليس بعضها ... ننكرها بألسنتنا ، ثم نحن نتمسك بها بكل القوة ، وننفذها بكل أمانة واحتراف ، ونحتضنها بكل الحب والالتفاف ... تذكرني هذه الحالة بحالة مشابهة لها أيضا علاقة وثيقة بمصائبنا كأمة ... من منا لا يذكر اتفاقية ( سايكس – بيكو ) ، ومن منا ينكر أنها كانت مؤامرة ( امبريالية ) كبرى استهدفت الوحدة الجغرافية والسياسية لهذه الأمة كجزء من مشروع إسقاط الخلافة رمز الوحدة وواسطة العقد ؟؟؟!! مع ذلك ، من منا ينكر أن تمسك النظام العربي الرسمي وكثير من شعوبنا بنتائج هذه ( المؤامرة ) ، وحرصنا على تطبيقها بقوة السلاح بحجة الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الجغرافية لدول ( الطوائف ) التي أنتجتها مؤامرة ( سايكس – بيكو ) ، هو من مهازل القدر التي لا يمكن لعقل أو منطق أن يقبل بها ... أوضاعنا العربية الحالية ببساطه تعني أننا الأكثر عداء لأنفسنا وبامتياز ، والأكثر عمالة لأعدائنا ، مهما ادعينا غير ذلك بحسن نية أو بسوء نية ...
من أجل الإمساك بطرف خيط النجاة والخلاص الوطني ، لا بد أن نصارح بهذه الحقائق ... أول خطوات التحرر تكمن في الوعي بحقيقة أن ما نحن عليه هو خدمة خالصة لمشروعات استعمارية ، فالدول التي صنعت ( نكبتنا ) العربية ، وليس فقط ( نكبتنا ) الفلسطينية ، ما زالت أغلبيتها ماضية في عدائها لنا ، وما زالت مصرة على الانحياز لطفلتها المدللة ( إسرائيل ) ، وما زالت ( تضحك على ذقون ولحى ) العرب من خلال عرضها الحماية العسكرية لرغبة زعماء أمتنا قصيرة النظر في الحفاظ على سلطانهم ، وهي أي دول الغرب بذلك إنما ترعى مشروعها الاستعماري القديم ( سايكس – بيكو ) ، وتعزز وجوده في بلاد العرب التي بوحدتها في الماضي قلبت موازين العالم القديم ... الغرب يعرف هذه الحقيقة ، ولذلك هو يحرص على استمرار تفتتنا وتفرقنا ، وإن جاء ذلك تحت يافطات ظاهرها ( الرحمة !! ) بسيادة الدول الوطنية ، وفي باطنها ( العذاب ) لأجيال أمتنا ومستقبلها ... فلماذا لا تعي أمتنا هذه الحقيقة الواضحة ، وتعمل بالتالي على تغيير أوضاعها بما يعزز الوحدة الجغرافية والسياسية ، أو على الأقل الوحدة السياسية ، وحدة القرار القومي ، ووحدة الإرادة من وراء مشروع التحرير الكامل والشامل ؟؟!!...
هذه هي المعضلة الأساسية التي تقف في مواجهتنا ، مع الأسف الشديد، فالأسباب التي أدت إلى النكبة لا تزال قائمة حتى هذه اللحظة ، و ما يجري على الساحة الفلسطينية من انقسام ومن صراع كان في الماضي صراعا بين العائلات وأصبح اليوم صراعا بين الأحزاب و الفصائل ، رغم ما نزعمه من حرصنا الشديد على الوحدة الوطنية ، ومن حرصنا الشديد على وحدة الكلمة ووحدة الجهاد والنضال في مواجهة المشروع الصهيوني والاحتلال الغاشم الظالم الذي ما زال يصيبنا في مقتل حينا بعد حين ... نحن ميدانيا نمارس عكس ما ندعيه ، عكس ما ننادي به في المحافل والمنتديات ... من أجل ذلك لم ينجح نضالنا على مدار المائة عام الماضية في تحقيق أهدافه ، وليس ذلك غريبا ...
إذا كان الوضع كذلك ، فما هو الحل ، وما هي البدائل المطروحة حاليا لمواجهة الموقف ؟؟ لا شك أن موقفا عربيا موحدا يستثمر إلى النهاية أدوات التأثير الحقيقي في الموقف الدولي الظالم ، سيحل المشكلة ،أو على الأقل ، سيضع القضية على طريق الحل سلما أو ( ............. ) ... في غياب هذه الموقف العربي الموحد ، أمام الشعب الفلسطيني ثلاث بدائل ، لا أنكر أن هنالك غيرها ، لكنها تظل المطروحة ، اثنان منهما مرفوضان عقلا ومنطقا ، قوميا ووطنيا ، وثالثها ممكن ولكن ليس بكل ثمن ... استسلام كامل لإسرائيل و إملاءاتها و إملاءات من يقف وراءها ليس واردا أبدا ، حتى لو جاءت تلك الإملاءات من رئيس أمريكي جديد علقنا عليه أملا ما ، لكنه سرعان ما انضم إلى سابقيه في ( الانبطاح ) أمام إسرائيل مهما ارتكبت من الجرائم ، ومهما انتهكت من المحرمات الدولية ، ومهما وجهت من إهانات للرئيس الأمريكي وإدارته ، ولعل في التطورات الأخيرة في شأن الاستيطان الإسرائيلي أكبر اصدق شاهد على ذلك ...
الحرب المفتوحة مع إسرائيل ، هي أيضا بديل غير وارد أبدا ، لما له من انعكاسات خطيرة على القضية الفلسطينية ، خصوصا في ظل خلل واضح في توازن القوى ، وغياب السند العربي والإسلامي ، والانحياز الدولي لإسرائيل ...
أما بديل الواقعية الشامخة ، والذي هو عكس ( واقعية الخانعين !!! ) ممن يرفعون لافتات الواقعية ويخفون وراءها استعدادهم الكامل للانبطاح أمام كل ما يطرح ويقدم ، مهما حمل من استهتار واحتقار لقضيتنا و لآمالنا الوطنية والقومية ... الواقعية الشامخة التي نعنيها هي التي لا تسقط أيا من خياري المفاوضات والتحرك السياسي حينما يكون مثمرا وجديا وحقيقيا ، والحق في المقاومة كبديل مشروع تكفله القوانين الدولية والدينية والإنسانية ... المزاوجة بين الحقين هو المطلوب ، حيث تحدد نتائج كل منهما ما يجب أن يكون عليه وضع الاشتباك بين الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع بكل إفرازاته ، والشعب الفلسطيني الموحد ...
هذه هي رؤيتنا للصراع في ظل الظروف الحالية ، أما رؤيتنا للصراع في سياقها الإسلامي فلا يرى فيما يجري سوى ( مناوشة ) ، ستنتهي بتحقيق ما وعد الله ورسوله به من حتمية رفع علم واحد على كامل التراب الوطني ، لا أقول التراب القطري ، ولكن الوطن ، كل الوطن والجغرافيا العربية والإسلامية من المحيط إلى المحيط . قد يظن البعض هذا حلما ... لكن من قال أنه لا يحق لنا أن نحلم ... 

ليست هناك تعليقات :

مدونة عالم ياسر تصميم ياسر بوغابة © 2015